فصل: الآية الثالثة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الآية الثانية:

{وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)}.
اختلف أهل العلم في هؤلاء السفهاء من هم؟ فقال سعيد بن جبير: هم اليتامى لا تؤتوهم أموالهم قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل في الآية.
وقال مالك: هم الأولاد الصغار: أي لا تعطوهم أموالكم فيفسدوها ويبقوا بلا شيء.
وقال مجاهد: هم النساء.
قال النحاس وغيره: وهذا القول لا يصح إنما تقول العرب: سفائه أو سفيهات.
واختلفوا في وجه إضافة الأموال إلى المخاطبين وهي للسفهاء فقيل: أضافها إليهم لأنها بأيديهم وهم الناظرون فيها وقيل: لأنها من جنس أموالهم، بأن الأموال جعلت مشتركة بين الخلق في الأصل.
وقيل: المراد أموال المخاطبين حقيقة. وبه قال أبو موسى الأشعري وابن عباس والحسن وقتادة. والمراد النهي عن دفعها إلى من لا يحسن تدبيرها كالنساء والصبيان ومن هو ضعيف الإدراك لا يهتدي إلى وجوه النفع التي تصلح المال ولا يتجنب وجوه الضرر التي تهلكه وتذهب به.
{وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ} أي: اجعلوا لهم فيها رزقا وافرضوا لهم. وهذا فيمن يلزم نفقته وكسوته من الزوجات والأولاد ونحوهم. وأما على قول من قال إن الأموال هي أموال اليتامى، فالمعنى: اتجروا فيها حتى تربحوا وتنفقوهم من الأرباح واجعلوا لهم من أموالهم رزقا ينفقونه على أنفسهم ويكسون به.
وقد استدل بهذه الآية على جواز الحجر على السفهاء، وبه قال الجمهور.
وقال أبو حنيفة: لا يحجر على من بلغ عاقلا واستدل بها أيضا على وجوب نفقة القرابة. والخلاف في ذلك معروف في مواطنه.

.الآية الثالثة:

{وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافًا وَبِدارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)}.
الابتلاء: الاختبار. واختلفوا في معنى الاختبار فقيل: هو أن يتأمل الوصي أخلاق يتيمه ليعلم بنجابته وحسن تصرفه فيدفع إليه ماله إذا بلغ النكاح وأنس منه الرشد.
وقيل: أن يدفع إليه شيئا من ماله ويأمره بالتصرف فيه حتى يعلم حقيقة حاله.
وقيل: أن يرد النظر إليه في نفقة الدار ليعلم كيف تدبيره. وإن كانت جارية رد إليها ما يرد إلى ربة البيت من تدبير بيتها. حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ المراد بلوغ الحلم لقوله تعالى: {وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} [النور: 59]. ومن علامات البلوغ الإنبات وبلوغ خمس عشرة سنة.
وقال مالك وأبو حنيفة وغيرهما: لا يحكم لمن لا يحتلم بالبلوغ إلا بعد مضي سبع عشرة سنة.
وهذه العلامات تعم الذكر والأنثى، وتختص الأنثى بالحبل والحيض.
{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} أي أبصرتم ورأيتم. ومنه قوله: {آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ نارًا} [القصص: 29]. وقيل: هو هنا بمعنى علم ووجد.
والرّشد: بضم الراء وسكون الشين، والرشد بفتح الراء والشين قيل: هما لغتان.
واختلف أهل العلم في معنى الرشد هاهنا فقيل: الصلاح في العقل والدين، وقيل: في العقل خاصة.
قال سعيد بن جبير والشعبي: إنه لا يدفع إلى اليتيم ماله إذا لم يؤنس رشده وإن كان شيخا قال الضحاك: وإن بلغ مائة سنة!!.
وجمهور العلماء على أن الرشد لا يكون إلا بعد البلوغ وعلى أنه إن لم يرشد بعد بلوغ الحلم لا يزول عنه الحجر.
وقال أبو حنيفة: لا يحجر على الحر البالغ وإن كان أفسق الناس وأشدهم تبذيرا وبه قال النخعي وزفر.
وظاهر النظم القرآني أنها لا تدفع إليهم أموالهم إلا بعد بلوغ غاية هي بلوغ النكاح- مقيدة هذه الغاية بإيناس الرشد- فلابد من مجموع الأمرين فلا تدفع إلى اليتامى أموالهم قبل البلوغ، وإن كانوا معروفين بالرشد ولا بعد البلوغ إلا بعد إيناس الرشد منهم.
والمراد بالرشد نوعه وهو المتعلق بحسن التصرف في أمواله وعدم التبذير بها ووضعها في مواضعها.
{فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ} من غير تأخير إلى حد البلوغ.
{وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافًا وَبِدارًا أَنْ يَكْبَرُوا} الإسراف في اللغة: الإفراط ومجاوزة الحد.
وقال النضر بن شميل: السرف التبذير.
والبدار: المبادرة، أي لا تأكلوا أموال اليتامى أكل إسراف وأكل مبادرة لكبرهم، أو لا تأكلوا لأجل السرف والمبادرة، أو مسرفين ومبادرين لكبرهم وتقولوا: ننفق أموال اليتامى فيما نشتهي قبل أن يبلغوا فينتزعوها من أيدينا.
{وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} بين سبحانه ما يحل لهم من أموال اليتامى، فأمر الغني بالاستعفاف وتوفير مال الصبي عليه وعدم تناوله منه وسوغ للفقير أن يأكل بالمعروف.
واختلف أهل العلم في الأكل بالمعروف ما هو؟ فقال قوم: هو القرض إذا احتاج إليه ويقضي متى أيسر اللّه عليه وبه قال عمر بن الخطاب وابن عباس وعبيدة السلماني وابن جبير والشعبي ومجاهد وأبو العالية والأوزاعي.
وقال النخعي وعطاء والحسن وقتادة: لا قضاء على الفقير فيما يأكل بالمعروف وبه قال جمهور الفقهاء، وهذا بالنظم القرآني ألصق فإن إباحة الأكل للفقير مشعرة بجواز ذلك له من غير قرض.
والمراد بالمعروف: المتعارف به بين الناس فلا يترفه بأموال اليتامى ويبالغ في التنعم بالمأكول والمشروب والملبوس ولا يدع نفسه عن سد الفاقة وستر العورة.
والخطاب في هذه الآية لأولياء الأيتام القائمين بما يصلحهم كالأب والجدّ ووصيهما. وقال بعض أهل العلم: المراد بالآية اليتيم إن كان غنيا وسّع عليه، وإن كان فقيرا كان الإنفاق عليه بقدر ما يحصل له، وهذا القول في غاية السقوط.
{فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} أنهم قد قبضوها منكم لتندفع عنكم التهم، وتأمنوا الدعاوى الصادرة منهم.
وقيل: إن الإشهاد المشروع هو على ما أنفقه عليهم الأولياء قبل رشدهم، وقيل: هو على رد ما استقرضه إلى أموالهم.
وظاهر النظم القرآني مشروعية الإشهاد على ما دفع إليهم من أموالهم وهو يعمّ الإنفاق قبل الرشد والدفع للجميع إليهم بعد الرشد. وفي سورة الأنعام: {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}، وفي الإسراء مثلها.

.الآية الرابعة:

{وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8)}.
{وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} يعني قسمة الميراث {أُولُو الْقُرْبى} المراد بالقرابة هنا غير الوارثين وكذا {وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ} شرع اللّه سبحانه أنهم إذا حضروا قسمة التركة كان لهم منها رزق فيرضخ لهم المتقاسمون شيئا منها.
وقد ذهب قوم إلى أن الآية محكمة وأن الأمر للندب، وذهب آخرون إلى أنها منسوخة بقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] والأول أرجح، لأن المذكور في الآية للقرابة غير الوارثين ليس هو من جملة الميراث حتى يقال: إنها منسوخة بآية المواريث، إلا أن يقال إن أولي القربى المذكورين هنا هم الوارثون كان للنسخ وجه، وقالت طائفة: إن هذا الرضخ لغير الوارث من القرابة واجب بمقدار ما تطيب به أنفس الورثة وهو معنى الأمر الحقيقي فلا يصار إلى الندب إلا بقرينة.
والضمير في قوله: {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} راجع إلى المال المقسوم المدلول عليه بالقسمة.
وقيل: راجع إلى ما ترك. {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8)} هو القول الجميل الذي ليس فيه منّ بما صار إليهم من الرضخ ولا أذى.

.الآية الخامسة:

{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)}.
تفصيل لما أجمل في قوله تعالى: {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ} الآية وقد استدل بذلك على جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وهذه الآية ركن من أركان الدين وعمدة من عمد الأحكام وأم من أمهات الآيات لاشتمالها على ما يهم من علم الفرائض.
وقد كان هذا العلم من أجل علوم الصحابة رضي اللّه عنهم وأكثر مناظراتهم فيه.
وورد في الترغيب في تعلم الفرائض وتعليمها ما أخرجه الحاكم والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة لا يجدان من يقضي بها».
وأخرجاه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «تعلموا الفرائض وعلموه فإنه نصف العلم فإنه ينسى وهو أوّل ما ينزع من أمتي». وقد روي عن عمر وابن مسعود وأنس آثار في الترغيب في الفرائض، وكذلك روي عن جماعة من التابعين ومن بعدهم.
والمعنى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ}: أي في شأن ميراثهم وقد اختلفوا: هل يدخل أولاد الأولاد أو لا؟
فقالت الشافعية: إنهم يدخلون مجازا لا حقيقة. وقالت الحنفية: إنه يتناولهم لفظ الأولاد حقيقة إذا لم يوجد أولاد الصلب.
ولا خلاف أن بني البنين كالبنين في الميراث مع عدمهم وإنما الخلاف في دلالة لفظ الأولاد على أولادهم مع عدمهم. ويدخل في لفظ الأولاد من كان منهم كافرا، ويخرج بالسنة، وكذلك يدخل القاتل عمدا، ويخرج أيضا بالسنة والإجماع. ويدخل فيه الخنثى، قال القرطبي: وأجمع العلماء أنه يورث من حيث يبول: فإن بال منهما فمن حيث سبق فإن خرج البول منهما من غير سبق أحدهما فله نصف نصيب الذكر، ونصف نصيب الأنثى، وقيل: يعطى أقلّ النصيبين، وهو نصيب الأنثى، قاله يحيى بن آدم وهو قول الشافعي.
وهذه الآية ناسخة لما كان في صدر الإسلام من الموارثة بالحلف والهجرة والمعاقدة.
وقد أجمع العلماء على أنه إذا كان مع الأولاد من له فرض مسمى أعطيه، وكان ما بقي من المال للذكر مثل حظ الأنثيين، للحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما بلفظ: «ألحقوا الفرائض بأهلها» فما أبقت الفرائض فالأولى رجل ذكر إلا إذا كان ساقطا معهم كالأخوة لأم.